القمة الروحية في الديمان: الحياد مشروع سلام لا حرب

أكدت القمة الروحية، في الديمان، على أن لبنان اعتمد منذ إقرار ميثاق الـ43 مبدأ الحياد ليكون وطناً سيداً حراً، وأن طرح مشروع نظام الحياد بعيد كلياً عن أي تفكير طائفي أو سياسي، وهو طرح وطني جامع ولمصلحة كل اللبنانيين.

وعقدت القمة الروحية أعمالها في إطار لقاءاتها الدورية، إذ لبَّى دعوة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أصحاب الغبطة البطاركة مار يوسف العبسي بطريرك الروم الكاثوليك، ومار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الانطاكي، وكاثوليكوس بيت كيليكيا للارمن الكاثوليك غريغوار بيدروس العشرين، والمطرانان شاهية بانوسيان ومكاريوس أشقريان ممثلين عن قداسة كاثوليكوس بيت كيليكيا للارمن الاورثوذكس آرام الاول كيشيشيان، بحضور المطارنة سمير مظلوم، بولس صياح وجوزف نفاع.

وتناول اللقاء الاوضاع الراهنة في البلاد بانعكاساتها الاقتصادية والمعيشية، إذ تمت مناقشة خطط الاغاثة المعتمدة من قبل كنائسه الآباء، الهادفة الى توفير الامن الغذائي والصحي ودعم القطاعين الزراعي والمهني، وكيفية تنسيق الجهود لمضاعفة المساعدات وحسن الافادة منها. وفي هذا الاطار كان عرض لمشروع لجنة الاغاثة للمساعدة والتعاضد “الكرمة”، المستوحى من آية يوحنا الانجيلي: “أنا الكرمة وانتم الاغصان”.

وركّز الآباء، في البيان الصادر إثر الإجتماع، بصورة خاصة، على ضرورة تلبية حاجات قطاعات الشبيبة من خلال المشاريع التنموية، التي توفر فرص العمل لهم، وتحدّ من هجرتيهم الداخلية والخارجية. وسجّلوا تقديرهم لكل مبادرات التضامن التي يطلقها اللبنانيون من المقيمين والمنتشرين في مواجهة الازمة الراهنة.

وأضافوا أنه في هذا السياق من مقاربة الازمة المعيشية الراهنة، يتطلع الآباء الى دور حكومي اكثر فعالية لجهة الاصلاحات والتدابير الكفيلة برفع حدة الازمة والاسهام في استعادة دورة الحياة الاقتصادية واستقطاب قدرات الدعم المحلية والخارجية، ويناشدون جميع القيادات اللبنانية الترفع عن الحسابات السياسية وتجاوز الخلافات الفئوية والتضامن قولاً وعملاً مع المؤسسات الدستورية في ورشة الانقاذ الوطنية.

واستمع الآباء الى العرض الذي قدّمه البطريرك الراعي حول “نظام الحياد”، وردّات الفعل عليه، وهو نظام ينبع من رسالة لبنان الحضارية، وقد تلازم مع نشوء الكيان اللبناني كمطلب ملائم “لموقع جبل لبنان وطبيعة أهاليه الموالفة للحرية والاستقلالية منذ القدم مما استلزم استقلاله وحياده السياسي”، كما جاء في مذكّرة مجلس إدارة متصرّفية جبل لبنان في 10 تموز 1920.

وشددوا على أن لبنان اعتمد، منذ إقرار ميثاق 1943، سياسة الحياد وعدم الانحياز على قاعدة أن “لا وصاية، ولا حماية، ولا امتياز، ولا مركز ممتاز لأي دولة من الدول الشرقية والغربية، بل يكون وطناً سيداً حراً باستقلال ناجز”. هذه كانت سياسة دولة لبنان الخارجية المتكررة في البيانات الوزارية منذ الحكومة الأولى برئاسة رياض الصلح سنة 1943 حتى الحكومة الثالثة والخمسين برئاسة شفيق الوزان سنة 1980. وظلّت الحكومات المتتالية تؤكد نهج الحياد وعدم الانحياز على أساس أن لبنان جزءٌ لا يتجزأ من العالم العربي، يُقاسِم إخوانه العرب سرّاءهم وضرّاءهم، ويعمل دائماً على شدّ أواصر الأخوّة وتوثيق عرى المحبة بينه وبينهم، وأنه منفتحٌ على الدنيا بأسرها، وغير منحازٍ إلى أي تكتلات وأحلاف سياسية أو عسكرية، ويستند في كلّ حال إلى شرعة الأمم المتَّحدة.

ولفتوا إلى أن الدولة اللبنانية عادت لتؤكد في “إعلان بعبدا” بتاريخ 11 حزيران 2012 أن “تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسِلمه الأهلي، باستثناء ما يتعلَّق بواجب إلتزام قرارات الشرعية الدولية وبخاصة المتصل منها بالاراضي اللبنانية التي لا تزال تحت الاحتلال الاسرائيلي، والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقَّة، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيّين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم”.

وأكدوا أن طرح مشروع نظام الحياد بعيدٌ كلياً عن أيِّ تفكير طائفي أو سياسي أو فئوي، بل هو طرحٌ وطني جامع ولمصلحة كل اللبنانيين من جهة، ولمحيطِ لبنان المشرقيّ ـ العربيّ من جهة أخرى. فحيادُ لبنان هو مشروع سلام لا مشروع حرب، وهو مشروع اتفاق لا مشروع صراع. إن لبنان غير قادر على البقاء رهينة التجاذبات والمشاريع الخارجية. لقد حان الوقت للخروج، يداً بيد، من التدهور والانهيارِ، ومن الأزمات المتتالية. فكلنا للبنان ولبنان لنا جميعاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى