ولعت بين بري وعون

صدر عن رئاسة المجلس النيابي بيان جاء فيه: “بإسم الشعب اللبناني تحركت وأتحرك. وقرار تكليف رئيس حكومة خارج عن ارادة رئيس الجمهورية بل هو ناشئ عن قرار النواب أي السلطة التشريعية . والذي يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة هو الرئيس المكلف (الماده 64 من الدستور). وبالتالي من حقي أن احاول بناءً لطلب دولة رئيس الحكومة المكلف أن أساعده في اية مبادرة قد يتوصل اليها”.

وأضاف, “سيما ان رئيس الجمهورية الذي يعود له صلاحية التوقيع مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيسها ابدى كل رغبة بذلك وأرسل الى عدة رسل بهذا الشأن وحصل من اكثر من إجتماع في القصر الجمهوري وخلافه لانجاح ما سمي بمبادره بري دون حضوري الشخصي. وكان القاضي راضي : طالما ارتفع عدد الوزراء الى 24”.

وتابع, “طالما حل موضوع الداخلية الى ان اصريتم على 8 وزراء + 2 يسميهم رئيس الجمهورية ( الذي ليس له حق دستوري بوزير واحد فهو لا يشارك بالتصويت فكيف يكون له أصوات بطريقة غير مباشرة )”.

وأردف, “متعطل كل شيء… والبلد ينهار… والمؤسسات تتآكل… والشعب يتلوى ….وجدار القسطنطينيه ينهار مع رفض مبادرة وافق عليها الغرب والشرق وكل الاطراف اللبنانية الا طرفكم الكريم : فأقدمتم على البيان البارحة صراحة تقولون لا نريد : سعد الحريري رئيساً للحكومة . هذا ليس من حقكم ، وقرار تكليفه ليس منكم ، والمجلس النيابي قال كلمته مدّويه جواب رسالتكم اليه”.

وختم البيان, بالقول: “المطلوب حلا وليس ترحالا والمبادرة مستمرة”.

وفي المقابل صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية ما يلي: أمر لن نتوقف عنده في البيان الذي صدر عن الرئيس بري هو الأسلوب غير المألوف لدى دولته في التخاطب السياسي شكلاً ومضموناً.

ما يجدر التوقف عنده باستغراب، ان يلقى البيان الذي صدر بالأمس عن رئاسة الجمهورية ردة فعل غير متوقعة من الرئيس بري خصوصاً في ما يتعلق بموقع رئيس الجمهورية في التركيبة الوطنية التي تكرّست في وثيقة الوفاق الوطني، وما يرمز اليه من وحدة الوطن ودوره في السهر على احترام الدستور.

من المؤسف حقاً ان يتحدث الرئيس بري عن عدم حق رئيس الجمهورية بالحصول على وزير واحد في الحكومة مبرراً ذلك بعدم مشاركته في التصويت.

كأن البيان الصادر عن الرئيس بري أراد ان يؤكد ما بات مؤكداً بأن الهدف الحقيقي للحملات التي يتعرض لها رئيس الجمهورية هو تعطيل دوره في تكوين السلطة التنفيذية ومراقبة عملها مع السلطة التشريعية، واقصاؤه بالفعل حيناً، وبالقول احياناً، عن تحمل المسؤوليات التي القاها الدستور على عاتقه.

أن يفهم الرئيس بري من بيان الامس بأن رئيس الجمهورية لا يريد المبادرة التي “وافق عليها الشرق والغرب” ولا يريد الرئيس الحريري رئيساً للحكومة ويبني على هذا النهج ما هو في رأيه حق او غير حق، فإنه قمة الانكار ومجافاة الحقيقة.

رئيس الجمهورية تجاوب مع ارادة مجلس النواب وتم تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة بقرار صادر عنه بعد التغاضي عن الكثير من الاساءات والتعرض للرئاسة ولشخص الرئيس والصلاحيات… كل ذلك في سبيل تسهيل تشكيل الحكومة على الرغم من محاولة ابتكار اعراف دستورية جديدة.

لم يطالب رئيس الجمهورية بتسمية وزيرين اثنين زيادة على الوزراء الثمانية، كما لم يطالب بالثلث الضامن على رغم عدم وجود ما يمنع ذلك.

رئيس الجمهورية عمل جاهداً على تنفيذ المبادرة الفرنسية وتعاطى ايجاباً مع مسعى الرئيس بري بدليل انه ارجأ الحوار الذي كان ينوي الدعوة اليه افساحاً في المجال امام دولته في النجاح بمسعاه وطالب مراراً الرئيس المكلف بأن يقدم تشكيلة تتمتع بالميثاقية وتحصّن الشراكة وتؤمّن ثقة مجلس النواب.

من المفيد ان يتذكر الرئيس بري ان “الكلمة المدوية” التي صدرت عن مجلس النواب اكدت على وجوب اتفاق رئيس الحكومة المكلف مع رئيس الجمهورية على تشكيل الحكومة وهو الامر الذي لم يحصل رغم مرور اكثر من 8 اشهر على التكليف.

لم تكن هناك حاجة لبيان الرئيس بري للادراك بأن ثمة من لم يغفر بعد لاستعادة الحضور والدور بعد سنين التنكيل والاقصاء منذ العام 1990 حتى العام 2005.

في أي حال، لا بد ان يدرك دولة الرئيس بري وغيره، ان رئيس الجمهورية يسعى بكل قوة الى حل للازمة الحكومية التي افتعلتها ممارسات باتت معروفة عند الجميع، وعقّدتها رغبات في تهميش دور رئيس الجمهورية والحد من صلاحياته ومسؤولياته، ولعل البيان الذي صدر اليوم خير دليل على ذلك.

الرئاسة تكتفي بما تقدم، تترفع عن الدخول في ما ورد من مغالطات في البيان وتسجل إيجابية وحيدة هي الرغبة في ان تبقى مبادرته مستمرة لتسهيل تشكيل الحكومة وان كان البيان اسقط عن دولته صفة “الوسيط” الساعي لحلول وجعله ويا للأسف طرفاً لا يستطيع ان يعطي لنفسه حق التحرك “باسم الشعب اللبناني”.

ان رئيس الجمهورية الذي يعيش معاناة الشعب، حريص على انشاء سلطة إجرائية من خلال حكومة انقاذية قادرة على تقديم حلول للازمات المعيشية والحياتية التي باتت تشكل خطراً على حياة اللبنانيين وعيشهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى