جال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على الكنائس والرعايا والمراكز التي تضررت نتيجة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب. وتفقد البطريرك كنيسة مار مارون في الجميّزة، كاتدرائية مار جرجس في وسط بيروت ومدرسة الفرير. وكان في استقباله راعي ابرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر وعدد من الكهنة والمؤمنين.
إعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي انّ “إهمال المسؤولين هو سبب الانفجار في بيروت، مضيفاً: “الله ينجينا من الأعظم، لأنه إذا لم تبحث الدولة في أماكن أخرى يمكن حصول تفجير فيها فهذا يعني أنها تريد قتل الشعب”.
وقال من كنيسة مار مارون في الجميزة، خلال جولة تفقدية على الكنائس المتضررة في بيروت: “يجب إعطاء قيمة للدّماء ولدموع الناس إذ لا يمكن للمسؤولين أن يتعاطوا مع كارثة انفجار المرفأ وكأنها حادث سير صغير”.
وشدد البطريرك الراعي على انّ “الدستور هو أساس كل شيء وإذا أردنا الاطاحة بالدستور والقوانين لا يبقى شيء في الدول “، وتابع: “كنتُ أنتظر ممّن لديه أي تحفّظ على اقتراحي أن يعطي براهين مقنعة وقانونية و”مش كل ما دقّ الكوز بالجرّة نتّهم الناس بالعمالة”.
وقال: “لم نتعوّد على أن نكون عملاء لأحد بل البطريركية تقول الحقيقة البيضاء الواضحة ولسنا مرتبطين بأي أحد في الداخل والخارج وخلاص اللبنانيين الوحيد هو لبنان الحياد”، متسائلاً: هل يختلف إثنان على انّ السلاح متفلت في لبنان؟ الحلّ أن نقول للدولة “لمّي الأسلحة”.
وتابع “لا يوجد سيادة للدولة في لبنان وكل حزب يفتح دولة على حسابه، هذه ليست دولة بل دويلات ودويلات هل سنكمل بهذا الإنتحار؟”
وأضاف: “لم أدخل بكلام عن “حزب الله” وسلاحه وأنا تحدّثت بالمبادئ ولا سيادة اليوم للدولة في لبنان”.
وعن التحقيقات حول انفجار مرفأ بيروت، قال البطريرك الراعي: “هذا الموضوع في يد القضاء وهو يحقّق ويوزّع المسؤوليات”.
ومن مدرسة الفرير في الجميزة أكد البطريرك الماروني “ضرورة أن يقوم القضاء اللبناني بعمله ونحن نثق به ولكن ان قصر فعلينا الذهاب الى القضاء الدولي”.
وقال: “ما حصل جريمة كبرى وجريمة ضد الإنسانية، فبعد ست سنوات من وجود مواد قاتلة لا أحد يحرك ساكنا. إنه أمر غير مقبول. لا يحق لهم ان يبقوا مكتوفي الأيدي. أما ما يقومون به حيال تأليف حكومة، فالبلد على الأرض وهم يبحثون عن الحصص. نحن ندين هذا الأمر اشد الادانة”.
كما تفقد البطريرك يرافقه المطران بولس عبد الساتر، مستشفى الوردية، واستمع من مديرته الأم نيقولا عقيقي الى ما عانته المنطقة وأبناؤها جراء الانفجار الذي دمر أقساما من المستشفى.
وأكدت أن “إيماننا الكبير سيبقينا اكثر تمسكا بهذه الأرض وسنقوم بمهامنا على اكمل وجه لاننا ابناء الرجاء”، شاكرة “أصحاب الأيادي البيضاء الذين ساهموا في اعادة إعمار المستشفى ولا سيما دولة الكويت”، وسألت البطريرك “بركته ودعمه لنستمر في تقديم رسالتنا”.
وكان البطريرك الراعي جال على دير الفرنسيسكان في الجميزة، واطلع من رئيس الرهبنة الأب فراس لطفي على الأضرار التي لحقت بالدير ومراكزه.
البطريرك الماروني وفي حديث خاص لاذاعة صوت لبنان رأى ان مشكلتنا اليوم تكمن في توجهنا الى دولة دينية تتأثر بأحداث المنطقة بعدما بات الولاء لدول خارجية او لأشخاص واحزاب وطوائف ،في وقت كان يجب الحرص على بقاء لبنان الدولة الفاصلة بين الدين والدولة والمحافظة على ميزة لبنان التعددية والدولة المدنية التي انشأها البطريرك الياس الحويك وقال:” البطريرك الياس الحويك حملنا حقيقة واحدة هي لبنان وحماية لبنان وقد اراده دولة مختلفة كليا عن كل دول المنطقة واراده دولة تفصل بين الدين والدولة ويتجلى ذلك بقوله لبنان طائفة واحدة اسمها لبنان وكل الطوائف الأخرى تشكل نسيجه الاجتماعي .هذه اول صيغة للبنان اما الصيغة الثانية التي حملنا اياها هي ان يكون الولاء بالمواطنة للبنان وليس ولاء للطائفة او للدين ومشكلتنا اليوم اننا نبتعد عن الخطين وبدل فصل الدين عن الدولة وكأننا نتجه الى دولة دينية تتأثر بالمنطقة واتعجب عندما ينادون بالدولة المدنية ولا أفهم معناها طالما عمرها مئة عام وانشأها البطريرك الحويك وتقتضي منا الولاء للبنان في وقت بات الولاء اليوم لدول خارجية واشخاص واحزاب
وردا على سؤال حول اذا ما كان هناك من ارتباط بين مذكرة البطريرك الياس الحويك الى مؤتمر الصلح والمذكرة التي اطلقها الراعي في 17 آب “الحياد الناشط”قال البطريك الراعي :”مذكرة الحياد الناشط مكملة لمذكرة البطريرك الياس الحويك وقد ركزنا فيها على الحياد بحيث لا يكون للبنان اي ولاء لأي دولة غير لبنان ولا يستطيع الدخول بأي احلاف سياسية وعسكرية او اي حروب اقليمية ودولية كونه بلدا تعدديا ومركزا للحوار لا للحروب، بدليل انه عندما انحرف عن غايته عزل عن الشرق والغرب ولذلك نشعر اليوم ان لبنان متروك لمصيره ولولا كارثة المرفأ لما كان احد ساعدنا ،في كل الأحوال الالتفاتة هي للشعب اللبناني وليس للدولة او للمسؤولين فيها
وحول اذا ما اطلق المذكرة لمناسبة مئوية لبنان الكبير او نتيجة الأزمات الراهنة قال البطريرك :مع حلول المئوية دخلنا في عزلة بعدما اقحمنا رغما عنا في حروب ونزاعات وخلافات مخالفة للسياسية والتركيبة اللبنانية فمنذ العام 1943 في الميثاق الوطني وفي كل بيانات الحكومات المتعاقبة منذ العام 1943 وصولا الى العام 1980، يرددون ان سياسة لبنان الخارجية هي الحياد وعدم الانحياز ولكن وقع اتفاق القاهرة واعطى للفلسطينيين الحق بامتلاك الأسلحة الثقيلة والحق بمحاربة اسرائيل من لبنان ثم كان الاجتياح الاسرائيلي ثم الاجتياح السوري وبعدها ولدت الميليشبات وما زلنا نعيش في هذه الدوامة وعاد لبنان الى الصفر .
وعن عظته المدوية في 5 تموز ومطالبته بالحياد الايجابي ووقوف الفاتيكان الى جانبه قال الراعي: ”الوضع في لبنان لم يعد يطاق على الاطلاق والمسؤولون السياسيون صموا آذانهم لصرخة الثورة في 17 تشرين الأول وكأنه لم يحصل اي شيء في البلد بل استمروا في مراعاة مصالحهم الخاصة ومكاسبهم وفرغوا الخزينة من المال ما اوصلنا الى مرحلة لم يعد لدينا اي ثقة انهم يستطيعون النهوض بالبلد .فأنا شخصيا مثل الشعب فقدت الثقة الكلية بالمسؤولين ولذلك رفعت الصوت وكذلك الدول الخارجية دعت لبنان الى التنبه والاسراع في تأليف حكومة وانا اليوم اصبحت متأثرا بالثورة الحقيقية التي تحاول كل الوسائل لتنال اصغاء القيمين على الدولة ولكن تواجه بعدم الاكتراث ومن الضروري ان تسهر على عدم دس اي عناصر تخريبية في صفوفها
وخلص الراعي الى القول :”لا يوجد الا الحياد كحل للبنان والحياد ليس مشروع البطريرك انما هو من صميم الكيان السياسي اللبناني ومن صميم الطبيعة اللبنانية فالحرب والنزاعات فرضت على اللبنانيين وهم احفاد الفينيقيين الذين لم يصنعوا الحروب على مر التاريخ انما الثقافة والحضارة ونحن اليوم نعاني من مرض الانحياز بعدما كان البلد بطبيعته حياديا .
وذكر بقول البطريرك الياس الحويك لحظة اعلان دولة لبنان الكبير وهو ان يكون لبنان صاحب موقف حر وهذا يفترض عدم ارتباطه سياسيا وماليا
وعن الرسالة التي يوجهها لمناسبة مئوية اعلان دولة لبنان الكبير قال الراعي :”لو سألتني هذا السؤال قبل عظتي في الخامس من تموز كنت اجبت نريد ان نحضر لجنازة لبنان ولكن اليوم استطيع ان نقول نحضر ولادة جديدة للبنان