“ليبانون ديبايت”
تحوّلت البطريركية المارونية منذ يوم الأحد الماضي بعد العظة الشهيرة للبطريرك بشارة بطرس الراعي الذي دعا فيها لاعلان حياد لبنان مستنجداً بـ”الدول الصديقة”، محجّة لقوى المعارضة المشتتة والتي لم تنجح بتوحيد صفوفها حتى بعد سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة ومعها التسوية الرئاسية.
ويبدو ان الزيارات المعلنة والتي كان أبرزها للحريري والسفير السعودي ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ولوفد “قواتي”، ليست إلا جزءاً بسيطاً من زيارات أخرى تتم بعيدا عن الاضواء بإطار مساع يبذلها أكثر من طرف لاستيلاد جبهة معارضة موحدة من حضن البطريركية. فبقدر ما يقترب البطريرك الماروني من خلال مواقفه الاخيرة من أحزاب المعارضة، تراه يبتعد عن العهد ورئيس الجمهورية كما “التيار الوطني الحر” بعدما ظل على علاقة وطيدة بهما منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وهو ما دفع باقي الاحزاب المسيحية تلقائياً للابتعاد عن بكركي التي حيّدت نفسها الى حد كبير عن الصراعات وارتأت ان المصلحة المسيحية بدعم الموقع المسيحي الاول في الجمهورية.
اليوم يسلك البطريرك الراعي مسارا جديدا بعد استشعاره تهديدا للكيان اللبناني كما للوجود المسيحي. فهو وبحسب مصادر قريبة من بكركي لا يعتقد ان سياسة العهد وقيادة “التيار” تساهم بالحفاظ على الوجود المسيحي، فالمعارك التي خاضها الطرفان حماية لبعض المواقع المسيحية في التركيبة الحالية، وان كانت حظيت ببركة البطريركية بوقتها، تبين انها معارك هامشية وصغيرة امام المعركة الكبرى التي آن أوان خوضها تحت عنوان اعلان حياد لبنان.
وتضيف المصادر لـ”ليبانون ديبايت”:”لم نعد نتمتع بترف الوقت. كل شيء بات على المحك وبخاصة الكيان اللبناني والوجود المسيحي. وبالتالي البطريركية لن توفر سبيلا لانقاذ ما تبقى”.
في معراب والصيفي وبيت الوسط كما في كليمنصو ارتياح كبير للمواقف الاخيرة للراعي. لكنه ارتياح غير كاف لخلق نوع من الاستنفار لتوحيد الصفوف. اذ تبدو “القوات” الاكثر حماسة لجبهة معارضة موحدة، تليها “الكتائب” فـ”المستقبل”. اما “التقدمي الاشتراكي” فلا يزال يعتقد ان الظروف لا تشبه ما كانت عليه في العام 2005 لتنتج جبهة على غرار فريق 14 آذار.
وتعتبر مصادر “القوات” أي مراجعة لتاريخ بكركي ودورها تظهر بأنها لا تقتحم المشهد الوطني والسياسي الا في الأوقات المصيرية التي ترى فيها خطرا كبيرا على النموذج الذي ساهمت في نشأته وبلورته ووصوله الى ما وصل اليه، لافتة الى ان البطريركية المارونية تخشى اليوم على لبنان الرسالة ولبنان الكبير والحضور المسيحي المتميز والمتبقي فيه مقارنة بالواقع الأليم للمسيحية المشرقية.
وتتابع المصادر لـ”ليبانون ديبايت”:”الخطر وصل الى مكان لا يجب السكوت عنه، ما حتّم دخول بكركي ومن الباب العريض حفاظا على الثوابت والقيم والمبادىء والنموذج. فهذا ما فعلته في اعلان “لبنان الكبير” كما في “الطائف” حين أدركت أن استمرار الحرب لن يبقي أي مسيحي في لبنان وسيطيح بالبلد الذي نعرفه، كما حين رأت انه لا يجب ان يستمر الاحتلال السوري وأن استمراره سيؤدي الى “بعثنة لبنان” فتدخلت من اجل اخراج الجيش السوري من لبنان. وها هي اليوم تتدخل من جديد لأنها رأت أنه اذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فلبنان لن يفقد فقط قراره السياسي بل كل ميزاته التفاضلية السياحية، الاقتصادية، الثقافية، التربوية، الاستشفائية كما نمط عيش اللبنانيين”.
ولا تخفي المصادر سعي “القوات” في المرحلة الاخيرة لاستنهاض جبهة سياسية معارضة، الا انها تقرّ بأن التباينات بين مكونات المعارضة هي التي منعت قيامها من دون ان تمنع الاتفاق معهم على سقوف محددة. وتعوّل معراب على مضي الراعي قدما في توجهه الجديد، كما على ان تشكل بكركي مساحة التقاء سياسية ترفع فيها ليست ثوابت مسيحية انما ثوابت وطنية. وتقول المصادر:”البطريرك يتحدث عن السيادة والاستقلال والقرار الحر لكن والأهم عن مسألة أساسية تكوينة هي مسألة الحياد، فلبنان من دون حياد يسقط. وقد أثبتت التجارب أنه كل مرة سقط الحياد سقط الاستقرار وكل مرة احترم فيها رُسّخ الاستقرار. لذلك نحن مع البطريرك والى جانبه ولم ولن تتوقف وفود القوات الى بكركي والاهم التواصل الحاصل من خلف الكواليس وصولا للاهداف المرجوة على المستوى اللبناني”.
من جهتها، تؤكد مصادر “التقدمي الاشتراكي” ان الحزب لم ينقطع يوما عن بكركي لافتة الى ان التواصل والتنسيق والتشاور دائم مع البطريركية التي نثمن مواقفها ودورها الوطني.
وتشير المصادر الى ان العناوين التي يطرحها البطريرك اليوم وردت بمعظمها في “الورقة السياسية الميثاقية الدستورية التي حملها معه النائب تيمور جنبلاط الى الحوار الاخير الذي عقد ببعبدا والتي حملت عناوين تعيد فتح النقاش حول مسائل اساسية في طليعتها التمسك باتفاق الطائف واستكمال تطبيق بنوده، التذكير بمقررات حوار 2006 الذي دعا اليه الرئيس بري وشارك فيه السيد نصرالله، وأبرز هذه المقررات مرتبط بموضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، اثبات لبنانية مزارع شبعا مع الامم المتحدة، ترسيم الحدود مع سوريا واعادة فتح النقاش حول الخطة الدفاعية التي وعد الرئيس عون يقوم بها بعد الانتخابات النيابية ومن ثم تراجع عن ذلك”.
وتعتبر مصادر “الاشتراكي” في حديث لـ”ليبانون ديبايت” ان “اعادة البحث بكل هذه العناوين التي تعيد الاعتبار للدولة التي فقدت الكثير من حضورها ووهجها وموقعها سواء داخليا من خلال اختلال موازين القوى او خارجيا من خلال حالة العزلة غير المسبوقة التي يمر بها لبنان عربيا ودوليا والتي تتناقض مع موقفه الانفتاحي التاريخي باتجاه الشرق والغرب والسعي الحثيث لتغيير دور ورسالة لبنان.الا انها وبعكس “القوات” لا تزال متمسكة برؤيتها لجهة ان الظروف غير مؤاتية لقيام جبهة سياسية موحدة تضم مكونات 14 آذار، قائلة:” لكل مرحلة ظروفها وعناوينها وهذه المرحلة ليست مماثلة لمرحلة 14 آذار. وما يعنينا ان يبقى هناك صوت معارض في البلد”.